الإصــلاح
التربــوي بالمغــرب : من المقــرر إلى المنهـــاج :- ماذا تغير في تدريس الإجتماعيات بالتعليم الثانوي الإعدادي ؟
* المصطفى
الحسناوي
تقديم : ¶
يعرف الحقل التربوي ببلادنا حراكًا
مُتناميا، وذلك باعتماد إصلاح التعليم بيداغوجيات حديثة ( الكفايات، الإدماج،
بيداغوجيا التحكم، البيداغوجيا التصحيحية ...)، بهدف تطوير الفعل التربوي والإرتقاء
به ليصبح أكثر مردودية وجودة استجابة للتطور الذي يشهده المجتمع المغربي في مختلف
مناحي الحياة.
و إذا كان
الإصلاح سابق الذكر يسعى لتجديد مهام المدرسة المغربية بإعتبارها المحرك الأساس
للتقدم في مختلف المجالات، فإن مراجعة المناهج الدراسية أضحى أمرا لا مناص منه
بقصد مُلاَءَمتها مع متطلبات التطور ومقتضيات التوجيهات في السياسة التربوية.
تـُـرى ما هي أوجه التشابه و أوجه
الإختلاف بين المقرر و المنهاج الدرا سيين
؟ و هل لا زالت الكتب المدرسية
الحالية لمواد الإجتماعيات بالثانوي الإعدادي صالحة للتدريس با لبيداغوجيا ت
الحديثة ؟
I. مراجعة المنهاج الدراسي لمواد وحدة الإجتماعيات با
لتعليم الثانوي الإعدادي مدخل أساس لتحسين جودة تعليمها
1- تعريف المِنْهاج الدراسي:
المنهاج قائمة من المحتويات وخطة عمل بيداغوجية
متكاملة تشمل محتويات البرنامج الدراسي و مجموع الأنشطة الديداكتيكية المعتمدة
لتحقيقها إضافة إلى البيداغوجيات التي تشكل مدخلا لعناصر المنهاج (بيداغوجيا
الكفايات، بيداغوجيا الإدماج ...) و كذا طرق و أساليب تقويمها.
أ-
دوافع مراجعة المنهاج الدراسي لوحدة الإجتماعيات
بالثانوي الإعدادي :
يقتضي
النهوض بالمدرسة المغربية و إصلاحها لتقوم بدورها على النحو الأمثل المتمثل في و
ظائفها الأساسية في التعليم و التعلم و التربية و التنشئة الإجتماعية و التأهيل، مراجعة المناهج الدراسية
ِوفْــقَ احترام الثوابت الشخصية
المغربية و مقومات الهوية الوطنية مع
استحضار مكتسبات البحث التربوي و الانتقال ِبتدريـــسِ الإجتماعيات من مستوى التلقين
السلبي الجامد إلى اعتماد طرق حديثة تجعل
من المتعلم عنصرا فاعلا في اكتساب المعرفة بإدماج معلوماته السابقة.
ب- اختيارات و توجيها ت مراجعة المنهاج الدراسي للإجتماعيات بالثانوي
الإعدادي:
بعد تفعيل بنود الميثاق
الوطني للتربية و التكوين ثم اعتماد اختيار المناهج بدل البرامج إذ تم الإنتقال من
العمل بمفهوم "البرنا مج : Programme " إلى الإشتغال بمفهوم "المنهاج:Curriculum
" من أجل ترسيخ مَـبْدإِ التعلم الذاتي
بتجاوز سلبيات التكوين الكمي خصوصا في مواد وحدة الإجتماعيات، و ذلك بناءًا على
ثلاث دعائم أساسية هي :
-
البناء الذاتي
للمعرفة: إشراك المتعلم في العملية التربوية .
- التفاعل الإيجابي بين المتعلم و محيطه : يجب ألا تقتصر
أنْــشطة التعلم على التلقين والتلقي، بل يجب أن يتجاوزها إلى أنشطة الإشراك و المُسَاءَلة و البحث و الإسْــتِـكْـشَا ف .
- التنشيط ِوفْـق
استراتيجية التعلم الذاتي : لا يجب أن تظل طرق التنشيط حبيسة
الطرق التقليدية (اعتماد طرق التنشيط الحديثة )
2- ضرورة مراجعة و تطوير المنها ج الدراسي لوحدة الإجتماعيات للثانوي
الإعدادي:
إن الإقدام على أي إصلاح أو اتخاد أي قرار تربوي ينبغي أن
يُـؤَسسَ على نتائج البحث العلمي الميداني و التجريبي الذي يستهدِ فُ المتعلم أسَاسًا، تجنبا للسقوط في مشاكل تربوية
و تعليمية تعلمية، لذا يَــلْزَمُ إدخا ل مفاهيم و تقنيا ت و منهجيا ت حديثة و متطورة لتزويد منهاج مواد
وحدة الإجتماعيات بآليات منهجية دقيقة لتصحيح المسار و تحقيق الإقلاع من جديد في
اتجا ه بلوغ جودة و نجاعة التعلمات في هذه
الوحدة.(1)
كما بات من الضروري إعادة النظر في مناهجنا التعليمية – منهاج
وحدة الإجتماعيات بالتعليم الثانوي الإعدادي على سبيل المثال – من حيث العلاقة
العضوية و الجدلية بين البرامج و المناهج الدراسية و نظام التقويم و المتعلم
الحقيقي (كما هو الواقع و ليس كما هو مُفْـتَــرض نظريا )
و ذلك باعتماد مقاربات ودراسات عملية و ميدانية حقيقية و
موضوعية، تعتمد معايير الكيف والنوعية و
الإبداعية و ليس الكم و النسخ (2)
II.
الكتاب المدرسي للإجتماعيات من التوحيد إلى التعددية : ( التعليم الثانوي الإعدادي نموذجا)
1- الإنتقال من الكتاب الوحيد إلى الكتاب المتعدد: ماذا تغير في تدريس
الإجتماعيات بالثانوي الإعدادي؟
في
وقتٍ يُــتداول فيه موضوع مراجعة المناهج في أُفق تجديدهـــا استجابة للإصلاحات
التربوية، أضحى الكتاب المدرسي باعتباره وسيلة تربوية أساسية مستهدفـاً مِـنْ قِـبَل ِ هذا الإصلاح و التغيير، إذ بالرغم من
كونه مــادة متنـوعـة (وثائــق مكتوبــة، رســـوم، معلومات شارحة، خلاصات،
بيانات...)، فإنه لم يطور بما فيه الكفاية لكي يكون أدَاة ً توظف داخل عمليات تعلم
جديدة؛ ذاتية أو مؤسسية ... "نـَعَمْ لدينا كتب مدرسية متنوعة –مع الإعتراف
بحدوث تطور ملموس في التأليف و صناعة الكتاب و تنويع بنائه الوثائقي- لكنها وضعت
لبناء دروس لا للإستخدام داخل وضعيات تـَعَلمِية (3)
تزامن تطبيق بيداغوجيا الكفايات و أجرأة بنود
الميثاق الوطني للتربية و التكوين مع تأليف وإنتاج كتب مدرسية جديدة تتميز بالتعددية حيث وصل عددها إلى ثمان كتب
مدرسية خاصة بالإجتماعيا ت بالتعليم الثانوي الإعدادي مع تأليف نفس العدد من الأ
دِلة (جمع دليل ) الخاصة بالأساتذة و
الأستاذات تيسيرا للعملية التعلمية –التعليمية، لكن تجدر الإشارة و نحن في نهاية
عشرية الإصلاح إلى أن نتائج البرنامج الوطني لتقويم التحصيل الدراسي أكد ت على كون المضامين
التعلمية الخاصة بالمواد الدراسية تتميز بالتضخم، موضحة ً أنه كلما كانت التعلمات
ذات دلالة و معنى بالنسبة للمتعلم كانت مستويات التحصيل لديه مرتفعةوهو استنتاج
ينطبق على جميع المواد و المستويات التعليمية. و بناء على ما سبق يُعَد تخفيف
المضامين التعليمية مطلبا ملحـًا و آنيا، و تزداد إلحاحية هذا التخفيف في التعليم
الثانوي الإعدادي بالنظر إلى الكم الهائل من المواد التعليمية المدرسة فيه. (4)
إن
البناء الوثائقي للكتاب المدرسي لمواد وحدة الإجتماعيات بالتعليم الثانوي
الإعدادي، ظل تقريبا محتفظا ببنية الدرس كما يلقى داخل الفصل كما لو كان استجابة
لعمليات التدرسي لا لهاجس بيداغوجيا خاصة بالتعلم المدرسي (بيداغوجيا الكفايات،
بيداغوجيا الإدماج...). (5)
لذلك
وجب التفكير و أعادة النظر في مسألة البرامج و الكتاب المدرسي (كـَمَّا و نـَوْعًا ) من أجل التخفيف و التركيز على
الكفايات الأساسية عِـوَضَ الحَشْــوِ الكمي للمضامين و المواد، للرفع من
جودة التعليم من حيث المحتوى و المناهج، و
لأجل التخفيف و التبسيط والتكيف لجعل المتعلم كفرد ومواطن قـَادِرًا على أنْ يكون
فعَّالا و فاعلا في مجتمعه، و هذا
يتحقَّـق باعتماد مناهج و برامج تعليمية و تقويمية تـَمْـتـَح من المرجعيات
البيداغوجية الحديثة التي تقطع مع البيداغوجيا التقليدية والسلبية المتمحورة حول
الذاكرة و المعلومات (بِـضَاعَتُـنـَا رُدَّتْ إلينا ) (6) التي ظلت لمدة طويلة
عالقة ً بأذهان الكثير من المتعلمين خاصة في مواد
وحدة الإجتماعيات التي يجب أن يركز في تدريسها على جوانب مهارية و قيمية
لِمَحْـِو هذه النظرة السلبية تُجَاهَهَا.
2- الكتاب المدرسي المأمول لتدريس الإجتماعيات بالثانوي الإعدادي في
ظل البيداغوجيات الحديثة:
إذا
كان المنهاج الدراسي خطة تربوية شاملة أوسع من البرنامج أو المقرر لأنه يتضمن
الأهداف التعليمية المرومة، و المحتويات المعرفية: أي المادة العلمية و طرق ووسائل تعليمها وتعلّمها و أدوات
القياس و التقييم اللازمة للتحقق من مدى بلوغ الأهداف المنشودة، (7) فإن الكتاب
المدرسي هو الوسيلة و الإمكانية التي توفرها المدرسة المغربية للمتعلم، وإن كان
استعمالها - الوسيلة - يعرف بعض الإختلالات من قـَبِـيل ِ أنَّ الكتب المدرسية المقررة لتدريس الإجتماعيات
بالتعليم الثانوي الإعدادي بالرغم من كثرة عددها و اختلاف مضامينها، فإن محتوياتها
تتميز بعدم التلاؤم مع الوضعيات الإدماجية المضمَّـنة في الدليل الرسمي بسبب الإختلاف الكبير في
التصورات و تعدد التمثلات، فاختيار بيداغوجيا الإدماج كمقاربة لإعطاء التعلمات
معنى و دلالة يعدُّ أمرًا إيجابيا، إلا أن
تفعيل هذه البيداغوجيا يقتضي المراجعة الجذرية و الشاملة للكتاب المدرسي
(الإجتماعيات نموذجــًا) بما يتلاءَمُ مع هذه البيداغوجيا في مفاهيمها و
إجراءاتها، و دون تحقيق هذا المطلب فلاداعي إلى التعويل كثيرُا على بيداغوجيا
الإدماج في الإرتقاء بجودة التعليم. (8)
شَكَّلَ
تطبيقُ بيداغوجيا الإدماج بالمدرسة المغربية مُنْعَطَـفـًا حقيقيا لأجْـرَأة فعلية
لمخططات البرنامج الإستِعْجَالي التي
تَرُومُ إضافة نوعية إلى منظومة التربية و التكوين، و تعتبر بيداغوجيا الإدماج الإطار
المنهجي و العملي لتطبيق المقاربة
بالكفايات التي خلقت نقاشا بين الباحثين في مجال التربية، خاصَّة ً فيما يخص الكتب
المدرسية التي ظلت تُـطْـبَـعُ مُـنْـذُ بداية "عهد التعددية" دون خضوعها
للمراجعة والتصحيح الفعلي ( أكثر من 8
سنوات ).
و
هكذا فعوض أن تُـوضَعَ رهن إشارة الممارسين كل المؤلفات (الكتب المدرسية) لإختيار
الملائم منها، فُـِرضَ عليهم التَّــقَـيُّد بكتاب مدرسي بعينه دون آخر. فأين نحن
من تحرير الكتاب المدرسي؟ (9)
قد
يكون الرهان من تعدُّدِ الكتب المدرسية ظاهرةً صِـحِـيّــَة إذْ تُتَاحُ لكل
لجنة تأليف على حدة فرصة بلورة كفاءاتها و
تبرير اختياراتها (10)، لكن تجربة الكتب المدرسية المتعدِّدة "
المفروضة" على الممارسين يمكن القول إنها وصلت إلى الباب المسدود، لذلك يجب
تأليف كتب مدرسية في مستوى التطلعات و في ظل هذه الظروف فإن مُدرس الإجتماعيات
بالتعليم الثانوي الإعدادي مطالب بوضع
تخطيط مرحلي لإرساء الموارد اللازمة للكفايات المتوخى تحقيقها لأن الأنشطة
التَّـعَلُّمية التي تتضمنها الكتب المدرسية الحالية ظلت تقليدية إلى حدِّ ما
لإعتمادها على التدريس بيداغوجيا الأهداف المغَلَّفَةِ بالمقاربة بالكفايات
المشَتَّـتَة في "المقرر الدراسي"، و هذا الخلل يفرض على مدرسي مواد
وحدة الإجتماعيات خلق التجانس بين مكونات المنهاج من خلال رصد و تقديم وضعيات
ديداكتيكية وتعلمية ضمن مشروع تربوي
واضح المعالم في انتظار مراجعة البرامج و المناهج والكتب المدرسية مراجعة دقيقة
تـَـتـَماشى و إعما ل بيداغوجيا الإدماج و كل البيداغوجيات الحديثة القمينة بإصلاح
التعليم ببلادنا.
¶خلاصة:
لاّبُـــدَّ من إعادة النظر في الكتب المدرسية لمواد وحدة
الإجتماعيات من أجل أن تُـلاقي البيداغوجيات الحديثة النجاح المنشود ( بيداغوجيا
الإدماج خصوصا)، كما على مدرسي الإجتماعيات و المشرفين التربويين و كل المهتمين
تتبع الوضع التربوي لرصد وتشخيص "عثراته" و إبداء الأراء بهدف إجراء
تجديدات و تعديلات تربوية على بعض الكتب المدرسية لجعلها مسايرة لأي إصلاح مأمول.
&المراجع:
(1): الدكتور العربي الهداني (الإصلاح التربوي :
تدقيق المناهج أولا ) مجلة علوم التربية – العدد 42 (يناير 2010) ص:50
(2): ذ محمد الصدوقي (مراجعة المناهج الدراسية
مدخل لتحسين جودة التعليم ) جريدة الإتحاد الإشتراكي – العدد: 9388 (الملف التربوي ص: 3)
30-31 /01/2010
(3): ذ عبد الحق منصف (مشكلات العلاقة
البيداغوجيا داخل المدرسة المغربية ) – دفاتر التربية والتكوين - العدد:1 (نونبر 2009) ص: 36
(4): الدكتور عبد الكريم بلحاج (مفارقات المنظومة
التربوية المغربية) - مجلة الحياة المدرسية – العدد:16 (نونبر 2009) ص: 41
(5): ذ عبد الحق منصف، (مشكلات العلاقة
البيداغوجيا داخل المدرسة المغربية ) – دفاتر التربية والتكوين - العدد:1
(نونبر 2009) ص: 36
(6): مراجعة المناهج الدراسية مدخل لتحسين جودة
التعليم ) جريدة الإتحاد الإشتراكي (الملف التربوي العدد: 9388 ص: 3) 30-31 /01/2010
(7): العربي اسليماني (المعين في التربية : مرجع
الإمتحانات المهنية و الكفاءة التربوية ) الطبعة الأولى 2006 ص: 133
(8): ذ عبد الكريم مفضال، (تعدد الكتب المدرسية
لا يساير بيداغوجية الإدماج) جريدة الصباح – العدد 3048 (28 يناير2010) ص: 6
(9): ذ عبد الكريم مفضال، (تعدد الكتب المدرسية
لا يساير بيداغوجية الإدماج) جريدة الصباح – العدد 3048 (28 يناير2010) ص: 6
(10):ذ. عبد الرحمان الحميدي (الكتاب المدرسي بين
وهمية التعدد و واقعية التوحد ) – الجريدة التربوية – العدد 31 (25 يناير 2010) الصفحة :5
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء