الجهوية الموسعة في قلب الاصلاحات الدستورية والسياسية الراهنة بالمغرب

بقلم الأستاذ مصطفى الحسناوي ثانوية المدني بالحسني عين العودة

المنطلق:
في إطار السعي نحو ترسيخ مبادئ الحياة الديمقراطية بمفهومها الحداثي و المعاصر، يقترب المغرب من تطبيق نظام الجهوية الموسعة، هذا الإختيار الإستراتيجي المتأصل و المتجدر في الإنسان المغربي منذ القدم، سيتيح لكل جهة تدبير و تسيير شؤونها بنفسها، وفق مشروع متكامل في مدى زمني لا يتجاوز نهاية شهر يونيو المقبل.
?     فكيف يمكن استغلال النقاش السياسي الدائر حاليا ببلادنا لأجل المساهمة في إنجاح الإصلاحات السياسية         و الدستورية التي تتموقع الجهوية المتقدمة أو الموسعة في قلبها ؟.
?     و ما هي الآليات المعتمدة في التقطيع الجهوي المقترح من قبل اللجنة الإستشارية الملكية للجهوية ؟.
?     و كيف يمكن الإنتقال بجهويتنا إلى جهوية فاعلة تستشعر بها الساكنة المهمشة و تلمسها في حياتها           و معيشها اليوميين؟ و ما مدى مشاركة المواطنين البسطاء في إنتاج القوانين الخاصة بجهتهم، أم أن القوانين لا زالت تصدر من فوق؟.
?     ما هو انعكاس هذه الجهوية على المواطن العادي؟ و هل نحن في حاجة إلى جهوية تحسن أوضاعنا الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية. أم أن هذه الجهوية ستكون كمثيلاتها السابقة ؟.
في خضم النقاش العمومي السائد حاليا ببلادنا حول الإصلاحات السياسية و الدستورية و الإجتماعية، ارتأيت المساهمة بهذه الورقة المتواضعة حول الجهوية الموسعة، إذ النقاش الدائر اليوم لم يبق محصورا كالسابق على الأكاديميين، بل انتقل إلى الفاعلين السياسيين ثم إلى الفاعلين النقابيين و التربويين و المنظمات النسائية و الفعاليات الشبابية و عموم الشعب : (وسائل الإعلام – أنثروبولوجيون – سوسيولوجيون – محامون ...)، فرجال و نساء التعليم يواكبون هذه القضايا و يولونها اهتماما كبيرا، فإلى جانب اهتمامهم بالشأن المهني، فإنهم يضعون ضمن أجندتهم عدد من الندوات و العروض العلمية و الثقافية و التربوية التي تساهم في تقديم البدائل و الأجوبة للقضايا الوطنية الكبرى، و منها موضوع الجهوية المتقدمة كمشروع طموح يتطلب فتح نقاش وطني لإغنائه و تقويته و تمنيعه.
تقديم:
بعد الإفراج عن مشروع الجهوية الموسعة، فتح الباب لبلورة نقاش جديد حول كيفية تنزيل هذا الورش الهام على أرض الواقع، لأن اعتماد جهوية موسعة ليس بالأمر الهين، فهو لا يرتبط بإجراءات تقنية صرفة، بقدر ما يفرض نجاح نظام الجهوية إرادة سياسية قوية تمكن الجهات من التصرف وفق منظور جديد في التسيير و التدبير، بعيدا عن المركز   و عن التعليمات الفوقية.
السقف الذي تو صلت إليه اللجنة الإستشارية لم يتجاوز مسألة التنصيص القانوني على الجهوية الموسعة، إذ تم استبعاد الدسترة، ربما لأن اللجنة ارتأت غياب الظروف لذلك، إلا أن الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 وضع هذا المقترح جانبا، و اعتبر أن دسترة الجهوية أصبح أمرا ممكنا (أخذ بطبيعة الحال التغييرات التي يشهدها العالم العربي عامة و المغرب خاصة بعين الإعتبار).
إنه تجاوز للمنطق التقليدي في التعامل مع الجهوية، و من هذا المنطلق، يحق للمتتبع أن يبدي أكثر من تخوف، على اعتبار أن اعتماد مقاربة جديدة يحتاج أولا و قبل كل شيء اقتناعا و إيمانا بأنه لا يمكن النظر إلى الجهوية الموسعة من منظور ترابي و إداري صرف، بقدر ما أن المسألة تحتاج إلى استحضار البعد السياسي بكل ما للكلمة من معنى.
إن الوضع الحالي يحتاج بكل تأكيد إلى مقاربة جديدة تمزج بين ما هو تنموي و ما هو ديمقراطي، إذ سيكون من الغباء ترك الهفوات التي تؤدي إلى ظهور كوارث في التسيير و التدبير. فمن حق المغاربة أن يعيشوا اللحظة بالقطع مع المتملقين الذين بدؤوا يتربصون بالإنتخابات الخاصة بمجالس الجهات، و يحاولون وضع خطط على مقاسهم ليصلوا إلى تبوؤ مناصب المسؤولية.
إن الجهوية الموسعة لا يمكن أن تعني الفوضى في التدبير بعيدا عن أعين المحاسبة و المراقبة، بالعكس الجهوية الموسعة كما إعتمدتها بلدان ديمقراطية، تروم ضمان التنمية في مختلف أنحاء البلاد، و خلق نوع من التوازن و القضاء على منطق التمييز بين المغرب النافع و المغرب غير النافع.(1)
إن توجس المغاربة يجد ما يبرره في تجارب أوراش كبرى سابقة، كاد الحديث عنها يوصل على عالم أفلاطون، إلا أنه بمجرد بدء آليات الإشتغال على أرض الواقع، تتعرض الصورة للتشويه، و يصاب المرء بصدمة عدم الثقة في كل ما يقال، و هذا ما لا نتمناه لهذا الورش الهام.
إن إعتماد سياسة جهوية موسعة، يعد استمرارا للجهوية الشكلية المعتمدة منذ سنوات، مع ما يعنيه ذلك من خلق لمستويات مجالية جهوية ستؤدي إلى تغيرات هامة في البنيات السياسية و الإقتصادية و الإدارية للدولة، مما سيؤدي إلى ردود أفعال متباينة.
فالجهوية عموما سيرورة تحول صعبة في معظم البلدان، و إن كانت هذه الصعوبة تبدو أكبر في المجتمعات التي تتميز بتجذر تقاليد الدولة المركزية، كما هو الحال في مجتمعنا المغربي، الذي يجب أن تنخرط جميع قواه و فعالياته السياسية و المدنية و حركاته الشبابية و النسائية و غيرها، في نقاش عمومي واسع و بناء و هادف من أجل التعبئة لمناقشة المقترحات الخاصة بالجهوية الموسعة / المتقدمة.
     I.            التطورات التاريخية للمسألة الجهوية :
تعتبر الجهوية آلية تدبيرية لها تاريخ طويل في التفكير الإنساني و الفلسفي و القانوني، فهناك من يرجح أن التنظيم الجهوي ظهر في بدايته الأولى على شكل المدن الدول بالحضارات القديمة كاليونان و الرومان ... و ربما حتى مع بداية الدولة الإسلامية و في عهد الإمبراطورية العثمانية.
و الجهة مثلا في النظام الإيطالي ثمرة تطور تاريخي طويل و حصيلة ظروف خاصة (إجتماعية و سياسية      و ثقافية)، إذ التنظيم الجهوي في إيطاليا ليس بحدث معاصر، بل هو أمر كان محل أخذ ورد بين معارضين و مؤيدين منذ سنة 1860م، و بمجرد سقوط النظام الفاشي أعطي للتنظيم الجهوي نفس جديد بواسطة تكريس دستور 1948م النظام اللامركزي بشكل واسع (جهة دستورية) هي انعكاس للدولة المدينة، إذ منذ القدم كانت إيطاليا تعيش في شكل مدن منفصلة تؤلف نوعا من الدويلات المستقلة، و هو ما سيؤثر في اختيارات المشروع السياسي الوطني الإيطالي الذي سينتج عنه نظام وسيط بين النظام الفيدرالي و النظام الوحدوي.(2)
و تبنت ألمانيا سياسة الجهة كتنظيم إداري سياسي في دستور 1949م للتخفيف من المركزية الشديدة التي كانت تعاني منها في ظل النظام الدكتاتوري العسكري النازي، و تحت ضغط الهزيمة في الحرب العالمية الثانية :         (سياسة جهوية جد متقدمة في إطار الدولة الموحدة).
أما إسبانيا فقد جعلت من الجهة عنصرا أساسيا للتنمية الإقتصادية و الإجتماعية من خلال دستور 1978م، الذي جاء كنتاج للصراع التاريخي بين دعاة الإنفصال المؤسس على شرعية الإعتراف بالخصوصيات القومية و الثقافية        و أنصار الوحدة (جهوية سياسية).(3)
و نجد دولا أوربية أخرى بدأت تبني الجهوية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي للتخفيف من المركزية الشديدة التي عانت منها كفرنسا (جهوية إقتصادية و إدارية و قانونية و ترابية) و بلجيكا و غيرهما.
تختلف إذن التجارب العالمية في مجال الجهوية من دولة إلى أخرى تبعا لخصوصيات مجتمعاتها، الأمر الذي يتطلب منا كذلك أن نجد لأنفسنا نموذجا يتوافق مع خصوصياتنا، فالنظام الجهوي المنشود لابد أن ينبثق من الواقع المغربي، لأنه يستحيل تكييف نظام قانون أجنبي مع خصوصيات مجتمع له تاريخ طويل.
II.            السياق السوسيوتاريخي لتبلور مفهوم الجهوية بالمغرب :
فرض تنوع العوامل الطبيعية و السوسيولوجية نفسه كعوامل مدعمة للخيار الجهوي بالمغرب، الذي يتميز بتنوع مؤهلاته الطبيعية و الإقتصادية، مثلما يتميز بتنوع مكوناته العرقية و الثقافية، فإذا نظرت إليه من الزاوية الجغرافية أو حدقت فيه من خلال التنوع و التجاذب التاريخيين أو تمعنت فيه من خلال مساره التاريخي، وجدته يمثل زخما و تجربة مميزين.
في إطار هذا الزخم و التنوع الإجتماعي و الثقافي عاش المغرب على امتداد تاريخه في إطار نوع من          "الحكم الذاتي" ذلك أن المجموعات القبلية الكبرى و المتنوعة كانت تتوفر على مجالس خاصة تراعي أعرافها             و تقاليدها المحلية تحت أسماء متعددة، أشهرها مفهوم "الجماعة". صحيح أن هذه البنيات التقليدية المحلية لا يمكن مقارنتها باختصاصات الجهوية بمفهومها الحديث، لكنها شكلت بداية الإرهاصات الأولية لنوع من التدبير المحلي.(4)
عرفت المسألة الجهوية بالمغرب تطورا تدريجيا، حيث قسم في فترة الحماية إلى مناطق عسكرية و مناطق مدنية، كما قسم إلى ثمان جهات سنة 1948م (تقسيم جون سيليريي  Jean Célèrier).
و بعد الإستقلال عرف المغرب محاولات لتقسيم مجاله الجغرافي من خلال تقسيمه إلى تسع جهات سنة 1962   و إلى إثنا عشرة جهة (تقسيم دانييل نوان  D. Noin).
و تمخض عن ظهير 16 يونيو 1971 تقسيم المغرب إلى سبع جهات إقتصادية (الجنوب – تانسيفت – الوسط – الشمال الغربي – الوسط الشمالي – الشرق- الوسط الجنوبي)، و تميز هذا التقسيم بهيمنة النظرة الإقتصادية الصرفة.
ثم جاءت مرحلة قانون التنظيم الجماعي لسنة 1976م (أي بعد المسيرة الخضراء) و التي تعتبر بحق بداية مسلسل اللامركزية حيث استهدفت الحد من وصاية الإدارة المركزية و عملت على تقوية سلطات و اختصاصات المجالس الجهوية، غير أن هذا القانون لم يستطع الخروج من جبة قانون 1971م، حيث بقي أسير تصوراته و مقتضياته نتيجة للحضور الممركز لهاجس الضبط الأمني، مما أفرغ الجهوية من كل مضامينها التنموية.
فيما عرف عقد ثمانينيات القرن الماضي زخما نظريا في بناء النظام الجهوي بالمغرب، حيث سيشكل الخطاب الملكي بتاريخ 24 أكتوبر 1984م محطة نوعية في التنظير الجهوي للمغرب الراهن، إذ ستصبح الجهة في قلب النقاشات و مركز كل الإصلاحات السياسية و الإقتصادية. إلا أنه على مستوى الممارسة، تميزت هذه المرحلة باستمرارية طغيان الهاجس الأمني الذي تجسد في عقلنة اختصاصات المجالس الجهوية، كما بقي التركيز الإداري السمة المميزة لتلك المرحلة، و الذي ما زالت نتائجه ترخي بظلالها على الوضع الحالي.(5)
أما في عقد تسعينيات القرن 20م، فقد تمت مأسسة الجهة مع المراجعة الدستورية لسنة 1992م، من خلال اعتبارها مؤسسة من المؤسسات الجماعية المحلية التي تعمل على تنظيم المواطنين و تمثيلهم إلى جانب العمالات          و الأقاليم و الجماعات الحضرية و القروية، ليأتي الدستور المعدل لسنة 1996م ليبرز الإرتقاء الدستوري بالجهة وفقا للفصل 100 من الدستور، لتصبح كأساس ترابي لإنتخاب ثلاثة أخماس المستشارين المنتخبين في كل جهة من جهات المملكة، كما أمد ظهير 02/04/1997 هذه الجهات بإمكانات مادية و مالية، إلى جانب إحداث مجالس جهوية للحسابات وفق القانون رقم : 96.47.
لكن الممارسة العملية أظهرت محدودية قانون الجهات، الذي حمل بين طياته عوامل موته لأسباب منها :
E     غياب التجانس بين الجهات على مستوى الخصوصيات التاريخية و الجغرافية و الثقافية لكل جهة.
E     إنعدام التوازن الإقتصادي بين الجهات : (ضرورة إعادة توزيع الموارد الوطنية توزيعا عادلا و متوازنا بين   جميع جهات البلاد).
E     العامل السياسي : المتمثل في التحكم في التوازنات السياسية دون استحضار عوامل أخرى رئيسية كالعامل الإقتصادي الذي يبقى أساس التوازنات السياسية ...
فالجهوية إذن، أضحت في الوقت الحاضر موضوع الخطاب السياسي ببلادنا خاصة بعد تراكم المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية إلى الحد الذي أصبحت معه الإدارة المركزية عاجزة وحدها عن إيجاد الحلول لهذه الأزمات.
و السؤال المطروح هنا هو : إلى أي حد ستعمل الجهوية المقبلة على تحقيق آماني الشعب المغربي بعد فشل التجارب السابقة إن صح هذا الإعتقاد ؟. و ما هي آليات و ميكانيزمات تطوير استراتيجية التنمية الجهوية في أفق الجهوية السياسية أو الموسعة أو المتقدمة التي تحدث عنها الخطاب الملكي في عدة مناسبات ؟ :
1.       خطاب العرش (30 – 07 – 2001) "الجهة و الجهوية : رافعة قوية للتنمية".
2.       خطاب 6 نونبر 2001 : (توطيد الجهوية : بمنظور التنمية الشاملة).
3.       خطاب المسيرة الخضراء الذكرى 33 بتاريخ : 6 نونبر 2008 (مشروع الحكم الذاتي في الصحراء).
4.       خطاب المسيرة الخضراء الذكرى 34 بتاريخ : 6 نونبر 2009 (الجهوية المتقدمة).
5.       خطاب 5 يناير 2010 : (تنصيب اللجنة الملكية الإستشارية للجهوية).
6.       خطاب 20 غشت 2010 : (مسار شاق و طويل لتحقيق الجهوية المتقدمة).(6)
7.       خطاب 9 مارس 2011 : (الإصلاحات الدستورية و السياسية : دسترة الجهوية).
مجمل القول : إن هذا المسار التاريخي، جعل من الجهوية حقيقة لا يمكن القفز عليها في المغرب، بكل أبعادها السياسية و التنموية، بالرغم من أن هذه الحقيقة ما زالت مقيدة باعتبارات ذاتية و موضوعية، فهناك ضعف ملحوظ يعتري النخب المحلية، مثلما هناك بيروقراطية المساطر الإدارية إلى جانب ضعف الموارد المالية و إشكالية تركيز الموارد البشرية، و هي أمور و قضايا ينبغي التفكير فيها جديا في أفق التطبيق الفعلي للجهوية الموسعة أو المتقدمة.
III.            الخطوط العريضة لتقرير اللجنة الإستشارية حول الجهوية الموسعة :هناك من يرى أن الجهوية الموسعة التي يراهن عليها المغرب، هي نتيجة حتمية للتطورات التي يعرفها ملف الصحراء، فالمغرب سيعتمد نظاما جهويا أقل من الحكم الذاتي و أوسع من الجهوية الإدارية، و هو خيار إستراتيجي لمعالجة الإشكالات التنموية و السيادية.
و من خلال قراءة تقرير اللجنة الإستشارية حول الجهوية الموسعة، القائم على بلورة الإرادة الملكية الرامية لتمكين المغرب من جهوية متقدمة، ديمقراطية الجوهر مكرسة للتنمية المستدامة و المندمجة اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و بيئيا، نستشف أن الخطوط العريضة لهذا المشروع ارتكزت على :
C       جعل التقطيع الجديد للجهات وظيفيا و مؤسساتيا مكرسا للتنمية الإجتماعية : (اعتماد 12 جهة               بدل 16 جهة).
C       فتح آفاق عريضة أمام الجماعات المحلية للتدخل في كل مجالات التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية      و البيئية.
C       جعل المجالس الجهوية مؤهلة لتدبير شؤون الجهات، و إعطائها الأولوية بخلاف باقي المجالس المنتخبة مع احترام اختصاصاتها.
C       تعزيز المشاركة النسائية وفق مقاربة النوع، فالمشروع راعى تعزيز الإجراءات لصالح مشاركة النساء في تدبير الشؤون الجهوية و المحلية.(7)
C       إقتراح إحداث صندوق التأهيل الإجتماعي للجهات، و آخر للتضامن الجهوي.
C       المجالس الجهوية : تعزيز موارد المجالس الجهوية بتوسيع طاقات صندوق التجهيز الجماعي و إشراك القطاع البنكي و مؤسسات الإتصالات (إتصالات المغرب، ميديتيل ...).
C       تحويل الجهات أهلية الإستفادة من عائدات الضريبة على القيمة المضافة، على أن يصرف نصيبها من ذلك في الإستثمار.
C       تبويب قانون مالية الدولة و البرامج المعدة لكل الوزارات سيكون بحسب الجهات و ما يرصد لها من ميزانية.
C       أعضاء المجلس الجهوي ذوو الصوت التقريري ينتخبون عن طريق الإنتخاب العام المباشر.
C       لا يحق لرئيس الجهة أن يكون نائبا في إحدى غرفتي البرلمان.
C       لا يمكن لأي شخص أن يجمع بين عضوية المجالس الجهوية و الإقليمية و المحلية.
C       رئيس المجلس الجهوي هو الآمر بالصرف و المنفذ لقرارات المجلس الجهوي.
C       تقليص دور الولاة و العمال في المنظور الجديد للجهوية.
C       تحويل الجهة إلى رافعة في مجال التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية.(8)
C       إحداث صندوق التأهيل الإجتماعي بكل جهة من جهات المملكة.
C       إحداث صندوق التضامن الجهوي بين الجهات : (تمويل المشاريع، تقديم الخدمات و الإستشارات ...).
هكذا إذن يمكن اعتبار عمل اللجنة الإستشارية للجهوية، عملا جبارا و أداء علميا دسما، لأن هذه اللجنة تضم كفاءات و خبراء من مشارب و تخصصات متعددة تمتح من علم السياسة و علم الإقتصاد و علم الإجتماع و علم التدبير، إلا أن هذا لا يعني أن هذه التجربة بلغت درجة الكمال، بل يمكن اعتبارها أقصى ما أنتجه الفكر المغربي بخصوص الجهوية (إذ اعتمدنا طبعا تبعية العلمي للسياسي من خلال مكونات اللجنة سالفة الذكر).
و هذا يفتح المجال لإبداء بعض الملاحظات الأساسية الممكن أن تجعل من هذا الخيار تجربة ديمقراطية رائدة،   و قاطرة للتنمية المستدامة.   
IV.            ملاحظات أولية حول مشروع التقسيم الجهوي :
آراء و اقتراحات بعض المختصين في الدراسات القانونية و السياسية و مسؤولين جمعويين و حزبيين :
آثار مشروع التقسيم الجهوي الجديد نقاشات عميقة، باعتبار هذا الموضوع من أعقد حلقات الحوار حول الجهوية الموسعة، فإذا كان من الصعب و بكل موضوعية الحكم على عمل اللجنة المكلفة بهذا الورش الهام لكفاءة أعضائها، فإنه من الواجب إبداء الرأي بشأن مقترحاتها، لأن هذه اللحظة التاريخية و السياسية التي يعيشها المغرب، و التي تشكل فضاء للنقاش العمومي الدائر حاليا، و أولى الملاحظات هي : لماذا الجهوية الموسعة الآن ؟.
لا شك أن المغرب مرغم على نهجها في ظل مشكل الصحراء، و هذا المعطى السياسي يتماشى و المعطى الإجتماعي و الإقتصادي المتمثل في ضرورة التوزيع العادل لثروات الجهة الواحدة مع مبدإ التضامن مع الجهات الفقيرة، و هنا يجب أن يتدخل المركز لرفع الحيف عن بعض الجهات، كما أن الوضع المتقدم للمغرب الممنوح له من قبل الإتحاد الأوربي سيجعل بعض جهاته تبرم اتفاقيات تعاون مع جهات من دول هذا الإتحاد. لكن بعض المحللين السياسيين ينظرون إلى مقترح اللجنة سالفة الذكر من زاوية كونه عملا سياسيا تقنيا لم يستحضر بعض الأبعاد، مثل التراكمات التاريخية     و الثقافية و المناخية و غيرها، فهناك من يرى أن بعض الجهات ستتحول إلى مناطق معزولة من خلال التقسيم الجديد،    و هنا نخص بالذكر جهة ما يسمى بـ "درعة تافيلالت" التي تضم أشد الأقاليم فقرا و أقلها حظا من مسلسل التنمية         و البنيات و التجهيزات الأساسية، و ظلت إلى اليوم محاصرة بجبال الأطلس الكبير، الذي لم نتمكن إلى اليوم من اختراقه بالشكل الذي يسهل الحركة في اتجاه وارزازات و النواحي، و من الشمال نجد السهول الخالية و القاسية في الصحراء الشرقية إلى حدود بوعرفة مع جرادة و في الشرق الحدود الجزائرية.
نفس الشيء يمكن قوله على مشروع جهة بني ملال – خنيفرة، و الذي تجاوز في التسمية و ما تحمله من رمزية إقليما كبيرا كخريبگة، مع العلم أن سكان خنيفرة و ميدلت مشدودين تاريخيا إلى العاصمة الإسماعيلية مكناس، التي تم ضمها إلى فاس بولمان.(9)
من جهة أخرى بينت الإحتجاجات السكانية مؤخرا عدم اقتناعها بمشروع التقسيم الجديد خاصة سكان إقليم فگيگ الذين عبروا عن تذمرهم من فصل جزء من إقليميهم عن الجهة الشرقية و إلحاقه بجهة درعة تافيلالت، نفس الأمر عبرت عنه ساكنة طاطا و آسفي و الصويرة و القصابي المعلقة بين إقليمي ميدلت و بولمان و الريش و گرامة المرتبطتين بتافيلالت و الملحقتين بإقليم ميدلت.
§         جهة الدار البيضاء – سطات : بانضمام سطات و الجديدة إلى هذه الجهة يمكن اعتبارها حاليا أغنى جهات المغرب، و هذا يناقض الخطاب المتحدث على أن الجهوية تبنى على التكامل و التضامن. ما هي دواعي جمع مصادر القوة الإقتصادية في جهة واحدة، مقابل تعميق هشاشة جهات أخرى ؟.
§         ما موقع شمال الصحراء من الجهوية الموسعة و الحكم الذاتي؟ أي سكان المناطق المجاورة لوادي نون شمالا و السمارة في الجنوب الشرقي : هناك إمتداد إثني "دموي" و تاريخي وثقافي مع ساكنة مناطق النزاع        (آيت اوسى مثلا جزء منهم ينتمي للمحبس المتنازع عليها) و هنا يبرز التاريخ الجمعي لسكان المنطقتين محل النزاع، باعتبار أن هؤلاء السكان ينتمون إلى نفس المجموعات القبلية (تكنا، الرگيبات، أولاد دليم،      و الشرفاء و باقي القبائل)، بل ينتمون إلى نفس العروش و الأفخاذ و أحيانا كثيرة إلى نفس العائلات.         و بالنسبة لمناطق (گلميم، طانطان، سيدي إفني و أسا الزاك) فساكنتها لا تستفيد من الإمتيازات التي يستفيد منها سكان جنوب الطاح (الإعفاء الضريبي الشامل، دعم الموارد الغذائية، الأجر الخاص بالمناطق النائية، حملات التشغيل العامة) و ذلك بالرغم من استعمال سكان هاته المناطق في تحديد الهوية باعتبارهم نازحين من جنوب الصحراء إلى شمالها : (رياض فخري : "موقع شمال الصحراء من الجهوية الموسعة و الحكم الذاتي" ج. المساء. ع 1271، ص : الرأي 22/10/10).
§         إعتبار بعض سكان الريف التقطيع الجهوي المطروح بمثابة انتقام من الريف و تشفي تاريخي ضد سكانه : (محمد الشامي، رئيس كونفدرالية الجمعيات الثقافية بشمال المغرب، أسبوعية "الوطن الآن" العدد : 424 (7-4-2011)).(10)
§         لا ينبغي الإختباء وراء التقطيع لنسف الجهوية، و إنما يجب تقوية مؤسسات الجهوية و مواردها المالية          و البشرية بخلق أحزاب جهوية و فرض آليات للمراقبة و المتابعة و المحاسبة.(11)
§         نهج سياسة القرب من أجل التنسيق بين الجماعات داخل نفس الإقليم و داخل نفس الجهة لإيجاد حلول للقضايا الإجتماعية بالدرجة الأولى (خصاص في الماء و الكهرباء، الصحة، التعليم، الشغل ...).(12)
§         إزالة إزدواجية الإختصاصات بنهج مبدإ إستقلالية التسيير للجماعات الترابية مع إعادة النظر في المالية المحلية، لجعل الجهات ترقى إلى مستوى طموحات جميع شرائح الشعب، و هذا يتطلب الإنتقال من جهوية الوصاية إلى الجهوية الموسعة القائمة على الحكامة الجيدة و المصداقية و الشفافية و المساءلة و الفعالية   و المشاركة و المسؤولية و العدالة و المساواة و الثقة ... (13)
§         يجب أن تتأسس الجهوية الجديدة على نموذج تنموي سياسي و اقتصادي و اجتماعي مغربي – مغربي تضمن فيه جميع حريات الفكر و حرية المرأة و الرجل، حرية المبادرة و الإبتكار و الرأي و الصحافة مع الحرص على احترام كافة الواجبات لإحداث قطيعة مع الفوضى و تشييء المرأة و الجشع و الإنحراف و الرداءة         و البذاءة و المساس بالقيم و المؤسسات الوطنية.(14)
§         ضرورة ربط مشروع الجهوية الموسعة بالمشروع المجتمعي لتحقيق سياسة مندمجة للتنمية الشاملة، مما يستلزم التخلي عن سياسة البرامج القطاعية و الإبتعاد عن إعادة سن التمركز على صعيد الجهة.(15)
§         التشديد على ضرورة مصاحبة مشروع الجهوية الموسعة بإصلاحات سياسية و دستورية في مقدمتها دسترة الجهة و تعديل قانون الأحزاب و مراجعة مقتضيات مدونة الإنتخابات و محاربة الفساد و إصلاح القضاء.
§         إصلاح المنظومة التعليمية بقطاعيها المدرسي و العالي اعتبارا لكون الجامعة مشتلا للإستثمار في الرأسمال البشري : (سن سياسة تعليمية تلائم احتياجات الجهة و انتظاراتها التنموية).
§         ضرورة تماهي التقسيم الجهوي مع الهويات المتنوعة : (توظيف الثقافة في مشاريع التنمية الجهوية         و البحث العلمي).
§         مراجعة قوانين الإستثمار و التصنيف الضريبي : (تعديل قانون المالية و قانون الجبايات المحلية).
الحاجة إلى التفاعل الإيجابي مع انتظارات المواطنين بخصوص الإصلاحات السياسية و الدستورية و على رأسها الجهوية الموسعة.

خاتمة:
إن مناقشة مقترحات اللجنة الإستشارية للجهوية، لا يعني رفض اعتماد الجهوية، لأن رفض تصور معين لهذا الورش الهام ليس رفضا لمبدإ الجهوية و الإصلاحات المرتبطة بها، فالمغاربة الذين اعتادوا تنظيما ترابيا معينا و عاشوا في كنفه عقودا طويلة، لابد أن تكون لديهم بعض الإحترازات أمام الجهوية الموسعة.
كما أن طبيعة الدينامية السياسية الداخلية و تحولات المحيط العربي و تفاعل القوى الدولية مع رهانات الساحة الوطنية، كلها عوامل ستكون حاسمة و إن بدرجات متفاوتة في الصيغة النهائية التي سيرسو عليها دستور 2011م، و بين الحدين الأدنى و الأعلى – ستدون في النهاية – الصيغة الأكثر تعبيرا عن موازين القوى السياسية و المجتمعية، و الأكثر إنسجاما مع حجم و تأثير قوى الإصلاح داخل المجتمع المغربي كما داخل الدولة.
المراجع:

1.       نص تقرير اللجنة الإستشارية حول الجهوية الموسعة – جريدة "العلم"، العدد 21922، الإثنين 10 ربيع الثاني 1432هـ الموافق لـ 14 مارس 2011م، ص : 4-5-6-7.
2.       ذ. محمد الأعرج : (الجهوية كبناء قانوني و سياسي)، جريدة "المنعطف" العدد : 3647، الأربعاء 2 ربيع الأول 1431هـ/الموافق لـ 17 فبراير 2010م، ص : 2.
3.       جواد الرباع : (المحلية في الخطاب السياسي المغربي و سؤال التنمية الجهوية) جريدة "المساء" العدد : 1080، الجمعة 12 مارس 2010 ص : 8.
4.       محمد زين الدين : (التطورات التاريخية للمسألة الجهوية بالمغرب -1-) جريدة "المساء" العدد : 1150،      الأربعاء 2 يونيو 2010، ص : 6.
5.       محمد زين الدين : (التطورات التاريخية للمسألة الجهوية بالمغرب -2-) جريدة "المساء" العدد : 1151،    الخميس 3 يونيو 2010، ص : 8.
6.       ذ. محمد اليعگوبي : (مفهوم الجهوية المتقدمة في الخطب الملكية) جريدة "المساء" العدد : 1325،            الإثنين 27 دجنبر 2010 ص : 8.
+ و في مجلة : (منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية) سلسلة "مواضيع الساعة" عدد خاص -71- "الجهوية الموسعة و نظام الحكم الذاتي" – دراسات مختارة – الطبعة الأولى (2011) ص : 17-18.
7.       الجهوية المتقدمة لمحو صورة "المغرب النافع" : (الصباح السياسي) جريدة "الصباح"، العدد : 3408،     الإثنين 28/3/2011 ص : 5-6-7.
8.       منير الشرقي : (الجهوية القادمة ... تدبير جديد بصلاحيات جديدة)، جريدة: "الإتحاد الإشتراكي"،               الإثنين 28 مارس 2011، ص : 12.
9.       عادل بن حمزة : (ملاحظات أولية حول مشروع التقسيم الجهوي)، جريدة "العلم" العدد : 21922،            الإثنين 10 ربيع الثاني 1432هـ/14 مارس 2011م، ص : 3.
10.   ست وصفات لإنقاذ مشروع الجهوية : (أسبوعية : الوطن الآن) "ملفات الساعة" ص : (6-7-8-9-10-11-12-13-14-15-16-17)، العدد : 424 الخميس 7 أبريل 2011.
11.   الدكتور مصطفى مشيش العلمي : (مغرب الجهات)، مؤسسة سيدي مشيش العلمي 21، الطبعة الأولى (2011) – دار البوكيلي للطباعة و النشر – القنيطرة – (المغرب) ص : 200-201-202.
12.   القناة الثانية المغربية (2M) "برنامج مباشرة معكم" التاسعة و 20 دقيقة، الأربعاء 6 أبريل 2011.
13.   د. عبد الغني الشاوي : (الجهة كمجال لتطبيق الحكامة الجيدة) – "منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية       و التنمية" مرجع سابق، ص : 59-60-61-62-63.
14.   ذ. نجيب ميكو : (آفاق الفكر المتعدد على خطى الجهوية المتقدمة) جريدة "المساء" العدد : 1070،            الإثنين 1 مارس 2010، ص : 9.
15.   ذ. طارق أثلاثي : (الجهوية الموسعة و إكراه المسألة التدبيرية)، جريدة "المساء" العدد : 1128،              الجمعة 7 ماي 2010، ص : 8.
شكرا لك ولمرورك